صفحات مطوية من ملحمة المقاومة الشعبية في السويس
الأهالي يؤدبون القوات الإسرائيلية ويكسرون أنف شارون
بقلم : عبـده مبـاشر
تمكنت القوات المصرية المسلحة باقتدار, من اقتحام القناة واكتساح خط بارليف وإنشاء رءوس كباري شرق القناة, وتحولت للدفاع والتمسك بإصرار بكل ما حققته من نجاح, وبعد صدمة المفاجأة, أبدت القوات المسلحة والقيادة الاسرائيلية قدرا كبيرا من التماسك, وسرعان ما استعادت توازنها بعد أن استوعبت دروس الهزيمة المروعة التي لحقت بها, والعار الذي ضربها في مقتل, فها هي القوات التي ذاقت طعم الانتصار في ثلاث معارك متتالية تشرب من كأس الهزيمة بكل مرارتها, بعد أن سقط عن رأسها تاج القوات التي لا تقهر, وبدأت تعمل بكل قواها لإعادة القوات المصرية مرة أخري الي غرب القناة, أي تدمير رءوس الكباري واستعادة حصون خط بارليف والوقوف مرة أخري علي الضفة الشرقية للقناة, وتكبيد المصريين قدرا هائلا من الخسائر المادية والبشرية وتلقينهم درسا قاسيا يحول بينهم وبين التفكير مرة أخري في العودة الي ميادين القتال.
وبدأت الهجمات المضادة الاسرائيلية تأخذ شكلا جديدا, أي أصبحت أكثر قوة, وأكثر إصرارا واندفاعا.
وصمدت القوات المصرية وتمكنت من صد الهجمات المضادة, ودفعت ثمنا, ولكن كانت الخسائر البشرية الاسرائيلية أكثر فداحة بالإضافة الي الخسائر في الأسلحة والمعدات, وفي الوقت نفسه كانت القيادة الاسرائيلية تناقش خطة الاندفاع شرقا من ثغرة الدفرسوار, أي من نقطة الفصل بين الجيشين الثاني والثالث للوصول الي غرب القناة!
وكان شارون أكثر القادة إلحاحا, وثقة بالنجاح, واقرت القيادة الاسرائيلية الخطة, واسندت الي شارون قيادة قوات هذا الهجوم المضاد الواسع النطاق, وكانت مهمة هذه القوات بعد الوصول الي منطقة غرب القناة, انشاء رأس كوبري, والانتشار علي شكل مروحة باتجاه الشمال والاستيلاء علي الاسماعيلية, ثم التقدم باتجاه القنطرة لفرض الحصار علي الجيش الثاني الميداني, وباتجاه الجنوب والاستيلاء علي السويس وبورتوفيق والأدبية لفرض الحصار علي الجيش الثالث الميداني, وبوجود هذه القوات في ظهر الجيشين, تسهل مهمة القوات التي ستضغط من اتجاه الشرق من أجل كسر ارادة القوات المدافعة وضرب معنوياتها في مقتل بالهجوم عليها من الشرق وقصفها من الغرب وإغلاق طريق الانسحاب باتجاه الغرب, اذا ما فكرت في ترك مواقعها.
وعندما وصلت القوات الاسرائيلية غربا تمكنت من تدمير عدد من مواقع صواريخ الدفاع الجوي, وبذلك فتحت ثغرة في حائط الصواريخ, سمحت للقوات الجوية الاسرائيلية بالعمل ضد القوات المصرية.
إسرائيل.. والإسماعيلية
وقد واجهت القوات الاسرائيلية وهي تحاول الوصول الي الاسماعيلية نيرانا هائلة وصمودا واصرارا من أجل الحيلولة دون احتلال الاسماعيلية, كانت صورة الموقف واضحة, وبالرغم من افتقاد القوات الموجودة بالمنطقة للعناصر المدرعة المؤثرة, وللقوات الكافية, فإن الاصرار والحماس والعزيمة كانت من أهم عوامل احباط المحاولات الاسرائيلية المحمومة.. وأخيرا, أوقفت القيادة الاسرائيلية الهجوم باتجاه الشمال, أمام حجم الخسائر البشع الذي لحق بالقوات المهاجمة, واستدارت باتجاه الجنوب للاستيلاء علي السويس متصورة أن خطة حصار الجيش الثالث قابلة للنجاح بثمن أقل من الثمن الذي دفعته وهي في الطريق الي الاسماعيلية.
وكانت القيادة الاسرائيلية علي بينة من أن الفرقتين المدرعتين4 و21 الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة العامة المصرية, قد تحركتا شرقا للاشتراك في تطوير الهجوم, ولم يبق من الفرقة الرابعة المدرعة سوي لواء مدرع يقوده اللواء عبدالعزيز قابيل قائد الفرقة, وان هذا اللواء هو الذي يتحمل المسئولية الرئيسية في الدفاع عن المنطقة الممتدة من وصلة أبوسلطان شمالا حتي طريق السويس ـ القاهرة جنوبا, وان الفرقة6 المشاة الميكانيكية قد تبعثرت منذ بداية المعركة ولم يبق من الفرق المتماسكة سوي الفرقة23 المشاة الميكانيكية وقوات أخري محدودة.
في ظل هذه الظروف, انتقلت القوات الاسرائيلية وهي تسابق الزمن, خاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن بوقف اطلاق النار اعتبارا من يوم22 أكتوبر, من أجل احتلال السويس.
الوصول إلي مشارف السويس
وسرعان ما وصلت القوات الاسرائيلية الي مشارف المدينة ليلة22 ـ23 اكتوبر, أي بعد موعد وقف اطلاق النار, واحاطت بها من طريق السويس ـ القاهرة الصحراوي, وطريق المعاهدة الذي يصل الي الاسماعيلية وطريق الزيتية والطريق المؤدي الي الجناين.
وقد تمكنت هذه القوات من الاستيلاء علي ميناء الأدبية, واحتلت منطقة مصانع تكرير البترول( الزيتية) ووصلت طائرة عمودية تقل جولدا مائير رئيسة الوزراء وموشي ديان وزير الدفاع ودافيد اليعازر رئيس الأركان الي المنطقة المحيطة بالسويس, وهبطت في الزيتية, وكانت قبل الهبوط قد طافت فوق المنطقة لاستكشاف أوضاع وانتشار القوات المصرية ومدي تقدم القوات الإسرائيلية, وبعد أن وطأت أقدام المسئولين الاسرائيليين الكبار أرض منطقة الهبوط بعد تأمينها تماما, بدأت كاميرات المصورين تدور وتلتقط الأفلام التليفزيونية وآلاف الصور, ودارت عجلة الإعلام الإسرائيلي للاعلان عن سقوط السويس في أيدي القوات الاسرائيلية, كان للاعلان جانب من الحقيقة والواقع, فهاهم المسئولون الاسرائيليون الكبار يقفون بالزيتية, ولكن الزيتية ليست السويس, فالسويس كانت خالية تماما من الوجود الاسرائيلي.
أهداف إسرائيلية
أما سر لهفة اسرائيل علي مثل هذا الاعلان, فيرجع إلي قرار وقف اطلاق النار وبدء موعد سريانه, فقد ارادت أن توضح للعالم أنها استولت علي المدينة التي تمثل هدفا استراتيجيا, كما أنها تعني استكمال حصار وتطويق الجيش الثالث, وبما يساعد علي اقامة نوع من التوازن الاستراتيجي الذي افتقدته بعد نجاح الهجوم المصري, وبصورة أخري كانت تسعي لتأكيد قدرتها لا علي نجاح هجومها المضاد ووصولها الي غرب القناة, وانشاء رأس كوبري, بل وعلي حصار جيش ميداني مصري من الجيشين الميدانيين, وان في قدرتها تدمير قوات هذا الجيش بعد أن طوقته من الشرق والغرب وقطعت كل طرق الامداد عنه.
وكانت الرسالة تحمل انها انجزت هذا الهدف دون خرق كبير لقرار وقف إطلاق النار, وكان في تصور القيادة الاسرائيلية وهي تعلن عن سقوط السويس, ان انجاز هذا الهدف بات قريبا, وانه في متناول يد قواتها, واذا كان السقوط سيحدث دون أي شك, فلماذا لا يتم الاعلان عنه مبكرا لخداع العالم ومجلس الأمن؟
ولكن ما تصورته القيادة الاسرائيلية في متناول اليد, لم يكن سوي الثمرة المحرمة, وسوف تظل أيام السويس الأربعة المجيدة من أروع فصول معركة اكتوبر, خلالها صمدت المدينة, وصدت محاولات اقتحامها, وعلي مشارف المدينة ومن حولها فقدت اسرائيل33 دبابة و80 قتيلا دون أن تتمكن من دخولها.
وعندما بدأت طلائع قوات العدو تقترب علي طريق المعاهدة في اتجاه المدينة, كانت الخطة التي تم وضعها بسيطة وواضحة, بساطة الرجال الذين نفذوها, منع العدو من دخول المدينة وبأي ثمن, وهي نفس الرسالة التي ارسلها السادات للمقاتلين بالمدينة, لا استسلام, والقتال لآخر رجل.
وقد شارك الجميع في القتال, قاتل المدنيون وقاتلت المقاومة الشعبية, ورجال منظمة سيناء الذين دربتهم وسلحتهم المخابرات الحربية, وقاتل رجال الشرطة بالمدينة, أما العبء الأكبر في القتال فقد وقع علي كاهل القوات المسلحة, خاصة قوات الفرقة19 المشاة, والتي كانت تؤمن مساحة كبيرة من رأس كوبري الجيش الثالث شرق القناة.
حصار الجيش الثالث
وكان واضحا أمام قيادة الجيش الثالث والفرقة19, أن الهدف هو حصار الجيش واستكمال تطويقه باحتلال السويس التي تعد في ظهر الفرقة19, فقرر العميد يوسف عفيفي قائد الفرقة, بمبادرة شخصية منه, دفع بعض الوحدات الي غرب القناة, واعاد توزيع قواته استعدادا لملاقاة العدو, وقامت بعض هذه الوحدات باحتلال الساتر الترابي علي ضفتي القناة واسلحتهم في اتجاه العدو المتقدم باتجاه السويس, وتم تلغيم الفتحات الشاطئية في الساتر الترابي, كما تم دفع مجموعات استطلاع ليلة22 ـ23 اكتوبر الي منطقة معسكر حبيب الله علي الضفة الغربية للقناة لابلاغ قيادة الفرقة بنشاط العدو في المنطقة.
وقبل الحديث عن محاولات اقتحام السويس, سنتوقف أمام نجاح العدو في اقتحام مركز القيادة المتقدم للجيش الثالث الموجود شمال غرب السويس بالدبابات يوم23 اكتوبر ونجاة كل من قائد الجيش ومساعده ورئيس شعبة العمليات وقائد الفرقة6 المشاة الميكانيكية بالرغم من الخسائر الجسيمة التي لحقت بالافراد الموجودين, إذ مرت الدبابات من جوارهم, ولنقل علي مسافة أمتار قليلة منهم دون أن تكتشفهم بسبب الظلام.
بعدها تقرر الانتقال الي مركز قيادة الجيش الرئيسي الموجود بجبل عويبد.
محاولة اقتحام السويس
فجر يوم23 اكتوبر تقدمت فرقتان مدرعتان بقيادة الجنرالين ابراهام أدان وكلمان جنوبا باتجاه السويس في خرق واضح لقرار مجلس الأمن رقم338 الصادر في22 اكتوبر لوقف اطلاق النار, حيث أحكمت حصار المدينة تمهيدا لاحتلالها بالرغم من صدور قرار مجلس الأمن رقم339 يوم23 اكتوبر الذي حدد الساعة السابعة من صباح يوم24 اكتوبر لوقف اطلاق النار بعد أن تجاهلت اسرائيل القرار رقم338.
وفي الساعة الثانية والنصف من صباح يوم24 اكتوبر تلقي الجنرال أدان اتصالا تليفونيا من الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية, سأله خلاله عما اذا كان في مقدوره احتلال السويس خلال ساعتين ونصف الساعة, أي قبل موعد سريان وقف اطلاق النار الثاني.
وكانت السويس المحاصرة بحرا بعد الاستيلاء علي ميناء الأدبية, وبرا بقطع كل الطرق التي تؤدي الي القاهرة أو الاسماعيلية, وجوا لعدم وجود حماية من شبكة الدفاع الجوي المصرية تقترب من لحظة المواجهة الحاسمة مع قوات العدو.
وكان العدو قد حاول الاقتراب من منطقة الشلوفة يوم23 اكتوبر, إلا أن سرية المقذوفات المضادة للدبابات بقيادة المقدم حسام عمارة, والتي سبق أن دفع بها يوسف عفيفي للدفاع عن المدينة, تصدت للمحاولة ودمرت للعدو9 دبابات, وعندما نفدت ذخيرتهم, أمرهم قائد الفرقة بالتوجه الي السويس صباح يوم24 اكتوبر عبر كفر أحمد عبده للاشتراك في الدفاع عن المدينة باستخدام قواذف الآر.بي.جي حتي يعاد امدادهم بالصواريخ المطلوبة.
قوات الدفاع الشعبي
وفي الوقت نفسه, أرسل قائد الفرقة صباح يوم24 اكتوبر طاقم اقتناص دبابات مزودا بالآر.بي.جي وقنابل يدوية مضادة للدبابات.
ونشطت قوات الدفاع الشعبي ومنظمة سيناء في اعداد الكمائن علي مداخل المدينة, وخطب الشيخ حافظ سلامة في مسجد الشهداء لتحفيز الناس علي القتال والصمود, وسهر الجميع ليلة23 ـ24 اكتوبر في انتظار المعركة المتوقعة, وابتداء من الساعة6,30 صباح يوم24 اكتوبر وحتي الساعة,9,30 هاجمت الطائرات الاسرائيلية المدينة بضراوة, وفي الوقت نفسه كانت المدفعية والدبابات الاسرائيلية تقصف المدينة بشكل عشوائي, لكي تمتد النيران لكل أنحاء المدينة لاصابتها وأهلها بالفزع وإلحاق أكبر قدر من الخسائر بها تمهيدا لبدء عملية الاقتحام من محاور التقدم الثلاثة, المثلث والجناين والزيتية.
وفي الساعة العاشرة صباحا, نجحت كتيبة دبابات في السيطرة علي منطقة المحافظة دون أي مقاومة وبعدها تقدمت كتيبة مدرعة أخري مدعمة بكتيبة مظلات محملة علي عربات نصف جنزير في ثلاث موجات, كل موجة من8 دبابات للهجوم علي السويس, وبعد أن عبرت منطقة المثلث, بدأت تجتاز طريق الجيش الي أن وصلت الي ميدان الأربعين.
إبراهيم سليمان.. ونقطة التحول
حيث واجه الإسرائيليون المفاجأة التي لم يتوقعوها أو يتحسبوا لها, فقد انطلقت نيران الصواريخ الآر.بي.جي من رجال المقاومة بمشاركة محمد عواد ومحمد سرحان, وطار المقاتل ابراهيم سليمان فرحا وهو يشاهد الدبابة التي أصابها بصاروخ تترنح ويختل توازنها, بعدها تمكن بالصاروخ الثاني من اصابة عربة مدرعة اصابة أشعلت بها النيران.. ويمكن القول إن نيران ابراهيم سليمان كانت نقطة التحول في المعركة.
وتوقف تقدم مجموعة الدبابات الأولي أمام قسم شرطة الأربعين, وبدأت المعركة التي شارك فيها الجميع بكل الأسلحة المتاحة, وبدأت أبراج الدبابات في الانفجار وتحولت المنطقة الي قطعة من الجحيم, ولجأ الجنود الاسرائيليون الذين تركوا دباباتهم وعرباتهم المدرعة للاحتماء داخل البيوت القريبة وهم في حالة شديدة من الذعر, واحتمي بقسم الشرطة نحو25 اسرائيليا, وأمام فشل هجوم الموجة الأولي من الدبابات حاولت الموجتان التاليتان الاستدارة الي الخلف في ارتباك شديد, إلا أن قوات المقاومة هاجمتها.
ونجح الكمين الذي نصبه المقدم حسام عمارة في إجبار الدبابات التي وصلت خلف مسجد سيدي الأربعين علي العودة.
ومن بين24 قائد دبابة, تم قتل واصابة20 قائدا منهم.
أما الدبابات التي كانت بمنطقة المحافظة, فقد حاولت خمس منها التقدم باتجاه بورتوفيق, وبعد أن اصطدمت الدبابة الأولي بلغم أدي الي قطع جنزيرها, آثرت الدبابات الباقية العودة الي المواقع التي انطلقت منها.وعندما حل الظلام انسحبت القوة بكاملها الي منطقة الزيتية.
وحاول كثيرون اقتحام قسم الشرطة إلا أن المحاولات الأولي لم تحقق النجاح المطلوب, وخلال احدي المحاولات سقط ابراهيم سليمان شهيدا بنيران قناص اسرائيلي, شاهده وهو يتسلق السور الخلفي, كما سقط أشرف عبدالدايم وفايز امين شهيدين وهما يحاولان اقتحام قسم الاربعين من المدخل الأمامي, واشتبك المقاتلون المدنيون مع5 جنود اسرائيليين كانوا فوق سطح عمارة مجاورة للقسم باستخدام الأسلحة النارية والأسلحة البيضاء والأيدي, وفي النهاية تمكنوا من الفتك بهم.
تطهير قسم الأربعين
ووفقا لنصيحة الجنرال جونين, قررت القوة الاسرائيلية الانسحاب من قسم الاربعين ليلا, إلا أن رجال المقاومة بكل اطيافهم تمكنوا من فرض كلمتهم, وطهروا القسم ممن احتموا به وأداروا معركتهم من داخله.
وبانتهاء عملية الاقتحام الاسرائيلية للمدينة, كان واضحا أمام القادة الاسرائيليين انهم وقعوا في خطأ فادح كلفهم80 قتيلا. وخلال ساعات المعركة الطويلة, دمر الاسرائيليون بعض الكباري المقامة علي قناة السويس, ولكن سرعان ما تم الاستعاضة عنها بالمعديات والناقلات البرمائية.
وصباح يوم25 اكتوبر, أنذر قائد اسرائيلي المدينة بالاستسلام خلال نصف ساعة, وإلا تعرض سكانها للابادة بالقصف الجوي, وكان الرد, لا استسلام, ووصلت إشارة لاسلكية من الرئيس السادات نصها.. السويس.. لا تسليم.. القتال حتي آخر رجل.. الله معكم, وبعد انذار الاستسلام, اتصل رئيس مكتب المخابرات الحربية بمدير التليفونات لتعطيل الخطوط المتصلة بالزيتية حتي لا يستطيع العدو اجراء اتصالات تليفونية أخري.
ولأن رئيس مكتب المخابرات الحربية, كان يشارك في قيادة المقاتلين, خاصة رجال منظمة سيناء, ويمثل حلقة اتصال رئيسية بالاطراف المختلفة, لذا حمل معه أوراقه وغادر مقره ليستقر في مقر قيادة جديد بمستشفي السويس وارتدي الملابس المدنية, ووضع جبيرة حول ذراعه اليسري ثم تمت احاطتها بالجبس, ورفعها برباط متصل بالعنق.
المناوشات
وبعد المعركة الرئيسية, بدأت مراحل من المناوشات ولكن لم تحاول القوات الاسرائيلية اعادة الاستيلاء علي السويس.
وفي الوقت نفسه, واصل المقاتلون الهجوم علي مواقع العدو ودباباته وعرباته المدرعة, واستثمر قائد الفرقة19 الموقف لإعادة تنظيم دفاعات المدينة, كما أعاد العميد عادل اسلام القائد العسكري للسويس نشر قواته بعد أن قسمها الي مجموعات, لكل مجموعة قائد ومنطقة عمل ومسئوليات محددة, ونقل مقره من غرفة عمليات المحافظة الي مسجد الشهداء, وفي الساعة التاسعة من صباح يوم25 اكتوبر, اتصل سعد الهاكع المدير بشركة السويس لتصنيع البترول بالزيتية بغرفة الدفاع المدني, حيث أبلغهم بأن الدبابات الاسرائيلية قد وصلت الي مقر الشركة, وطوال معركة السويس استمرت الفرقة الرابعة المدرعة أو ما تبقي منها في العمل علي احتواء قوات العدو غرب القناة ومنعها من التوسع في اتجاهي الجنوب والغرب, وبنهاية يوم24 اكتوبر احتلت الفرقة النطاق الدفاعي الثاني من جبل حميرة الي جبل الجربة بهدف التمسك به ومنع العدو من الاختراق غربا باتجاه القاهرة, مع تأمين مدخل وادي حجول ومطار القطامية والمنطقة الخلفية للجيش الثالث ضد محاولات الإبرار الجوي.
وواصل العدو قصف قوات الفرقتين السابعة التاسعة عشرة شرق القناة جوا طوال اليوم, وبالتحديد من الساعة الثامنة والنصف صباحا حتي الخامسة مساء, ودفع بمجموعات من الدبابات والعربات المدرعة في اتجاه الحد الأمامي للقوات, ووصلت الي مسافات تتراوح ما بين1000 و1500 متر, وجرت اشتباكات هنا وهناك.
قوات أمريكية ـ سوفيتية
ولم يتوقف العدو عن أعماله القتالية برغم الموعد الجديد لوقف اطلاق النار.
ونتيجة لتجاهل العدو لقراري وقف اطلاق النار, أصدر الرئيس السادات بعد ظهر يوم24 اكتوبر تعليمات الي الدكتور محمد حسن الزيات وزير الخارجية الموجود في نيويورك بالآتي:
وقد اتخذ الرئيس السادات ما رآه واجبا عليه تجاه وطنه خلال هذه المرحلة, خاصة أن القوات المسلحة قد فقدت الكثير من الأسلحة والمعدات, وأصبحت أسلحة كثيرة تعاني من نقص في الذخيرة وقطع الغيار, وليس هناك أمل في سرعة تلبية هذه الاحتياجات من جانب الاتحاد السوفيتي.
ومن المواقف الطريفة, طلبت مصر من الروس سرعة تزويدها باطارات كاوتشوك للطائرات المقاتلة فتلقت بدلا من الاطارات أحذية من الكاوتشوك, والأكثر طرافة أنها كلها للقدم اليسري فقط.
وكان السادات يدرك حقيقة الموقف, فالقوات الموجودة غرب القناة خلال تلك الفترة كانت محدودة, في حين ضاعف العدو من حجم قواته غرب القناة بهدف تحقيق انجاز عسكري كبير يشوه به ما حققته مصر من انتصار ويسترد به بعضا مما فقدته اسرائيل, ليس ذلك فقط, بل ان القوات المصرية بدأت تعاني بشدة من نقص الذخيرة وقطع الغيار ولم يكن هناك مصدر لاستعواض الأسلحة التي خسرتها خاصة الدبابات.
وعندما ناشد السادات القوتين العظميين بسرعة ارسال قوات لفرض قبول اسرائيل وقف اطلاق النار, ومن القوات الموجودة بالقرب من المنطقة, كان يعلن في الوقت نفسه عن المحنة التي يعيشها ويدرك أبعادها.
وصباح يوم25 اكتوبر يجتمع مجلس الأمن ويصدر القرار رقم340 بإنشاء قوة طواريء دولية وايفادها فورا الي المنطقة.
وليلة25 ـ26 اكتوبر أصدر مجلس الأمن أمرا رسميا بتشكيل قوة طواريء من7 آلاف رجل بقيادة انزيو سيلاسفو, مع سحب900 فرد من قوة الطواريء الموجودة بقبرص وتحريكها فورا الي السويس.
وخلال أزمة وقف اطلاق النار, اعلن بريجنيف موافقة الاتحاد السوفيتي علي ارسال قوات سوفيتية ـ أمريكية الي مصر, وهدد الولايات المتحدة بأنها اذا لم توافق علي ارسال قواتها فسيتصرف السوفيت بشكل منفرد.
مواجهة نووية
وللتأكيد علي جدية السوفيت, بدأت8 طائرات نقل سوفيتية عملاقة من طراز انتينوف ـ22 في الاستعداد للاقلاع من العاصمة المجرية بودابست الي القاهرة, وقدر الأمريكيون ان السوفيت يمكنهم ارسال5 آلاف جندي الي مصر يوميا.
ورد الأمريكيون بإصدار أمر للفرقة82 المحمولة جوا بالاستعداد للتحرك, بالاضافة الي ابحار عدد من حاملات الطائرات للانضمام الي الاسطول السادس في البحر المتوسط, والأهم إعلان حالة التأهب في جميع القواعد العسكرية الأمريكية في العالم, ورفع الاستعداد الي الدرجة الثالثة وتم ابلاغ قيادة حلف الاطلنطي بأمر الاستعداد الأمريكي للقتال, وفجر يوم25 اكتوبر, كان الموقف بين القوتين العظميين يتصاعد الي أن وصل الي حافة المواجهة النووية.
قبول إسرائيلي
وفرض الموقف العالمي علي اسرائيل القبول بوقف اطلاق النار, وبالتالي توقفت محاولات اسرائيل الجديدة لاقتحام السويس بعد تدميرها بالغارات الجوية.
كانت خشية اسرائيل من استفزاز العالم في ظل هذه المواجهة النووية أكبر من مخططاتها الخاصة بمدينة السويس.
وتم وضع قرار مجلس الأمن بوقف اطلاق النار موضع التنفيذ يوم27 اكتوبر, وعند ظهر يوم28 اكتوبر وصلت طلائع قوة الطواريء الدولية الي السويس وبدأ القائد في توزيع دوريات من جنوده علي قطاعات المدينة.
وتجاهل مراقبو الأمم المتحدة استغلال اسرائيل للموقف والتقدم لاحتلال مناطق جديدة, منها: نقطة الهويس ومساحة من كفر جودة, وعمارتان بمنطقة المثلث واستراحة الري علي طريق الزيتية.
ولما كانت السويس قد استقبلت المئات من الجنود الذين هجروا وحداتهم ومواقعهم تحت ضغط النيران الاسرائيلي, فقد كان المطلوب فرض النظام والانضباط عليهم, وقد تمكن العميد أمين الكنزي بكفاءته وحزمه من تحقيق ذلك.
واذا كان صمود السويس صفحة من صفحات المجد في التاريخ المصري, فإن قدرة أهلها علي العيش في ظل الحصار بمزيج هائل من الصبر والصلابة والاحتمال والتعاون والتكافل, تشكل صفحة مضيئة, وطوال هذه الفترة عاشت المدينة كدولة مستقلة ادارت أمورها وحياتها بكفاءة, فالمدينة وقعت تحت الحصار اعتبارا من يوم23 اكتوبر لأول مرة في تاريخها الطويل, ولم تبدأ الامدادات في الوصول الي السويس إلا يوم11 نوفمبر1973.
ويوم28 يناير1974, انتهت فترة الحصار عن المدينة العظيمة, بعد انسحاب القوات الاسرائيلية كنتيجة لتوقيع اتفاقية
الفصل الأولي بين القوات يوم18 يناير1974.
1 ـ يطلب عقد اجتماع فوري لمجلس الأمن للنظر في استمرار اسرائيل في انتهاك القرارين اللذين أصدرهما مجلس الأمن يومي22 و23 أكتوبر بوقف اطلاق النار. 2 ـ يطلب من المجلس دعوة كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي, بارسال قوات فورا من تلك الموجودة لهما بالقرب من المنطقة للاشراف علي التزام اسرائيل بوقف اطلاق النار وضمان سريانه واحترامه.